عن شعور اللحظة المطبوع في الذاكرة.. عن أجمل خبر قرأته قبل خمسة عشر عاماً

"شاركونا يوماً لا تنسونه في تاريخ الثورة."
كانت هذه الجملة مرفقة مع وصف لفيديو يلخّص مشاهد من الحلم والانتصار لثورتنا العظيمة تحت عنوان "حصاد 14 عاماً من الثورة"، نشرته "سطور سوريا" يوم أمس 21 مارس/آذار 2025 على إنستغرام. حاولت أن أكتب عن ذكرى يوم واحد، لكنني لم أستطع.. لم أقوَ على تدوين الكمّ الهائل من الذكريات التي تدفّقت إلى ذاكرتي دفعة واحدة. ابتسمت لبعضها وبكيت لبعضها الآخر، لكن بقي اليوم الأول لصرخة الحرية يحمل تميّزًا لا مثيل له.. يوم كُسر جدار الخوف إلى الأبد.
يوم الثلاثاء، 15 مارس/آذار 2011
كنت أجلس على مقعدي المدرسي وأقرأ في سري إعلان التظاهر الرسمي، الذي قرأته مراراً وتكراراً على مدى اليومين الماضيين:
"أيها السوريون.. أيتها السوريات
لنخرج معاً
في تظاهرات سلمية
بدءًا من الساعة 12 ظهراً
ليوم الثلاثاء الموافق 15 آذار
ونهتف معًا لسوريا بلا استبداد
…
سوريا لكل السوريين.. كلهم بلا استثناء
سوريا... ثورة حتى الحرية"
تساءلت في داخلي: "هل استطاعوا كسر حاجز الخوف هذه المرة؟"، "لماذا أنا هنا ولست هناك؟"، "هل هتفوا للحرية المنشودة وسط العاصمة دمشق كما هو متّفق عليه؟". كنت على يقين بأن صرخة حرية واحدة في قلب العاصمة دمشق ستحمل ما لا يمكن أن تحمله هذه الصرخة في أي مكان آخر في العالم. لم يكن هذا رأيي فحسب، بل رأي كل من يدرك القبضة الأمنية المحكمة على العاصمة السورية وإجرام الأسد الذي لا حدود له.
عشرات الأسئلة الأخرى كانت تدور في رأسي بينما كنت أنتظر انتهاء الدوام المدرسي للعودة إلى المنزل ومتابعة الأخبار.
في طريق عودتي، كان كل شيء يبدو طبيعياً جداً. لا شيء يدعو للقلق، لا متغيرات، ولا مؤشرات على توتر أمني قد تسبّبه مظاهرة وسط العاصمة. أسرعتُ الخطى وأنا أقول في سري: "الوضع عنا مو متل مصر وتونس وليبيا.. عنا مختلف... الرعب مختلف".
وصلتُ إلى المنزل، وفتحتُ التلفاز قبل أن أفعل أي شيء آخر، وبدأت أقلب بين القنوات الإخبارية.. لا شيء أيضًا! كنت أعتقد أن خبراً كهذا سيهزّ وسائل الإعلام العربية، لكن لم أجد شيئاً.
حينها، قررت الاتصال بصديقٍ عرَفته عبر فيسبوك دون أن ألتقيه يوماً، وكنت قد أطلقت عليه لاحقاً لقب "صديق الثورة الافتراضي"، إذ كان هو من أخبرني عن الدعوة للتظاهر. وفجأة، لمحت خبراً عاجلًا على الشريط الإخباري الصغير:
"خروج مظاهرة احتجاجية في سوق الحميدية بدمشق"
دمعت عيناي. وكمن لا تصدق ما قرأت، انتظرتُ حتى عاد الشريط الإخباري لأتأكد من صحة الخبر. كنت بحاجة إلى التفاصيل، لكن لا تفاصيل متاحة في تلك اللحظة.
هتفتُ في سري كما هتفوا هناك: "الله، سوريا، حرية وبس!"
وأيقنتُ في داخلي أن الثورة بدأت.. ولن تخمد إلا بتحقيق الحرية المنشودة.