أحبها بقدر معاناتي في أحضانها.. عن حياتي في إسطنبول
قررت أن أكتب في هذه الليلة الشتوية الباردة، ليس حباً بالكتابة فحسب وإنما هرباً من جنون اللحظة في هذه المدينة المعقدة، المليئة بالتناقضات، والعصية على الفهم.. إسطنبول!
إسطنبول التي احتضنتني ببرودها القاتل قبل 10 أعوام، تعود اليوم لتجعل من جسدي المنهك وروحي المتعبة شظايا جديدة تبحث عن حياة هادئة ومستقرة وسط فوضى خوف وقلق يمتزجان بروحي "الفرفوشة" المفعمة بحب الحياة.|
أشعر بالإلفة تجاه هذه المدينة، كما ألفت دمشق منذ والدتي، ولربما اليوم تبدو إسطنبول مألوفة داخل عقلي وقلبي أكثر من أي مدينة أخرى في العالم، إلا أنها تصر على القسوة، فما إن تمنحني بضعة أيام هانئة ورائعة حتى تعود لتجبرني على خوض معركة جديدة معها، وهنا لا يهم إن خسرت أو كسبت، المهم حتماً هو خوض المعركة بحد ذاتها، والصراع الشديد لإنهائها.
تسألني صديقتي التي ما زالت لم تطأ هذه المدينة الساحرة عن حقيقة إسطنبول التي تعرضها المسلسلات التركية المدبلجة للعربية، وهل هي فعلاً بذلك الجمال الأخاذ والحرية الكاملة، فأجيبها "نعم، هي على ذات القدر من الجمال الذي ترينه في الأفلام والمسلسلات، تحتاجين الكثير من الوقت حتى تزوري كل الأماكن التي تودين زيارتها، والكثير من المال لتزوري كل تلك القصور العثمانية الساحرة، وتتذوقي "الكومبير" و "الميديا" و"الكباب التركي" بأصنافه العديدة والبقلاوة التركية بأنواعها الكثيرة، وكل ما تشتهيه نفسك. تمنحك إسطنبول فرصة لتبني شخصيتك كما تحبين، هنا ستجدين كل شيء، كل ما تريدين، بعيداً عن قيود المجتمع والعائلة التي تكرهينها، هنا ستجدين كل الأشياء الصائبة والخاطئة، كل
الطرق التي تأخذك إلى الخطايا والذنوب أو إلى العبادات والتدين، حتى تلك الطرق التي تأخذك تارة هنا وتارة هناك ستجدينها هنا في هذه المدينة، تمنحك كل شيء وتأخذ منك كل ما تستطيع أخده أيضاً، وقتك، جهدك، مالك، عمرك ولربما أكثر من ذلك أيضا".
تتجاوز صديقتي كل ما قلته، لتسألني "كيف صامدة وحدك بهالمدينة القاسية من سنين؟!.. كيف قدرتي تدرسي وتنجحي وتشتغلي كل هاد بدون سند؟؟"
أشرد بخيالي علني أجد جواباً حقيقياً لكن دون جدوى، فأختار اإلجابة بعفوية الكلمات التي ستراود عقلي وأنا أكتب.. "بلطف الله.. هون متل ما قلتلك الحياة بتمنحك كلشي، أنا دايماً بختار الطريق يلي بيشبهني قدر الإمكان.. بيشبه تربيتي وديني وقناعاتي ومبادئي.. ما بحس بصعوبة من هالناحية.. أما على موضوع إني لحالي رح قلك بصراحة.. الأمر مو سهل أبداً.. صعب تبقي لوحدك.. صعب تبني حياة لوحدك وتتحملي مسؤولية كبيرة لوحدك.. الوحدة صعبة كتير، والأصعب أنو أحياناً بتكوني مع عشرات الأشخاص بس إنتي من جوا وحيدة.. من جوا حاسة بفراغ ولا شي عم يعبيه.. إنتي بتعرفي شو ناقصك بس فعلياً ما طالع بإيدك شي.. وبتستمر الحياة وبتمر الأيام لأنو لازم تمر.. المهم ما توقفي.. بتعب أحياناً وبتمر أيام وليالي ما بنجز فيون شي غير إني بالتخت أو بأحسن الأوقات بطلع بتمشى شوي وبرجع بس بعرف إني قوية كتير وما يئست، وبتذكر إنو عندي أحلام وطموحات كبيرة حتى لو عم بسعى إلها ببطئ بس المهم ماني
واقفة.. وبتذكر كمان إني مو لحالي عم عيش كل هالصعوبات.. متلي كتير بنات هون ولكل وحدة فينا قصة وحكاية شكل"