"سقط الأسد".. صباح سوري حر في غربتي اللعينة

"سقط الأسد".. صباح سوري حر في غربتي اللعينة

كان البكاء أول ما فعلته وأنا وحدي في غرفة ظلماء لا يكسر صمتها سوى أنين بكائي الذي لا يهدأ منذ ما يقارب الساعتين.

"سقط الأسد".. خبر لطالما حلمنا به منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة قبل 13 عاماً و8 أشهر و23 يوماً.

أذكر الآن أول منشور على فيسبوك يدعو إلى النزول للشارع، رأيته على صفحة "شبكة الثورة السورية". اختلطت المشاعر في ذاك الوقت.. حماس غريب توأمه الخوف من نظام لا يعرف حداً للإجرام، لكن كنا على الموعد نحمل أرواحنا على كفوفنا أملاً بصنع مستقبل أفضل لسوريا.. سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد.

منشور على فيسبوك


سقط النظام فعلاً وهرب بشار الأسد.. سقط الطاغية الأكبر في العصر الحديث وسقط معه "الأبد" لنصرخ اليوم كما صرخنا طيلة الأعوام الماضية "مافي للأبد مافي للأبد.. عاشت سوريا ويسقط الأسد".

وكمن لا تصدق ما تراه وتسمعه، أعدت قراءة ذات الخبر من جميع المنصات الإخبارية التي اعتمدها كمصدر موثوق، وحتى من تلك التي لا أثق بها.. جميعهم نطقوا بذات الخبر. كنت في تلك اللحظات بحاجة للعناق.. كنت بحاجة أن أرتمي بحضن والدتي التي لم أرها منذ أعوام بسبب الغربة أو الأصح بسبب نظام الأسد الذي أثّر إجرامه على كل مناحي حياتنا. كنت بحاجة لعناق طويل لكني كنت وحدي أبكي بحرقة شديدة وأضحك كثيراً.. اختلطت المشاعر داخلي لتصنع في قلبي وعقلي حالة استثنائية لا يمكن وصفها بالكلمات كما لا يمكن نسيانها. تذكرت كل من وقفوا في صف ثورتنا منذ البداية ولم يستطيعوا أن يشاركونا الفرح اليوم.. لن أذكر اسماً واحداً لأنهم يتربعون جميعهم دون استثناء في قائمة الشرف، ولا تسع هذه التدوينة الصغيرة لذكرهم جميعاً، لكنني ذكرتهم في تلك اللحظة وستبقى ذكراهم خالدة داخل كل شخص آمن بالثورة قلباً وقالباً.

أتابع الأخبار من جميع الصفحات وأرى فرحة السوريين من جميع أنحاء العالم. الفيديوهات والصور تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي بسرعة الضوء.. جميعها تعبر عن فرح طال انتظاره كثيراً ودفعنا ثمنه باهظاً جداً. وأدعي في سري الكثير من الدعوات الصادقة للشهداء والمعتقلين والمفقودين ولذويهم.. لجميع من عانوا في بلاد اللجوء وأزقة الغربة مثلي، ولمن ابتلعهم البحر أثناء رحلتهم في البحث عن ملجأ آمن.. لمن صبر واحتمل حياة الرعب داخل سوريا، وأدعي لبلدي وشعبه بكل أطيافه وداخلي أمل بقيادة جديدة تمنحنا حقوقنا المشروعة بكرامة.. وأدعي قهراً على كل من ساند نظام الأسد ولو بكلمة وأبى أن ينظر لمرة واحدة نحو الحقيقة.

تختنق الكلمات بداخلي وأرغب بالصراخ لكن يقطع الرغبة اتصال أخي الذي يصغرني بعدة أعوام.. أفتح الكاميرا.. عيناه دامعتين كعيني.. نبتسم ابتسامة لا يصح أن أصفها إلا أنها ابتسامة النصر بعد عقود من الظلم وأنطق اولاً: "يا الله.. الحمدلله". تحدثنا وضحكنا وبكينا وحلمنا معاً من خلف شاشات هواتفنا المحمولة نظراً لبعدنا الجغرافي الشاسع الذي فرضته علينا حالة اللجوء جراء إجرام نظام الأسد في أرضنا.

أدرك في وقت متأخر أنني لا أملك رفاهية الغياب عن العمل اليوم، وأنهض من سريري مسرعة لأرتدي ثيابي وأنطلق من المنزل كفراشة حرة تحلق عالياً.. أغني أغاني ثورتنا العظيمة التي حفظتها عن ظهر قلب، وأهتف بهتافي الأحب لقلبي..

"مافي للأبد مافي للأبد.. عاشت سوريا وسقط الأسد"