الخوذ البيضاء.. وجه مضيء أنجبته ثورتنا السورية العظيمة

الخوذ البيضاء.. وجه مضيء أنجبته ثورتنا السورية العظيمة

ستنتهي هذه الكارثة، لا شك في ذلك. كما انتهت سواها من الأزمات والمصائب التي أدمت هذا الشعب وأرهقته حتى العظم.

نحن شعبٌ خسر كثيرًا؛ سُلب منّا الأمان، وتبعثرت أحلامنا تحت الركام، وتآكلت بيوتنا بالنار والرماد. ومع ذلك، كنا في كل مرة ننهض من جديد. نبدأ من الصفر، نلملم ما تبقّى، ونسير ببطء غالبًا، لكن بعنادٍ دائم نحو حياةٍ أخرى.

لقد تعلّمنا النجاة، لا بوفرة المعجزات، بل بندرة الاستسلام. صرنا نُتقن النهوض من بين الأطلال، ونصنع من الرماد بدايةً لا هزيمة.

لكن..

من بين كلّ هذا الخراب، ما الذي سيبقى محفورًا في ذاكرتنا حقًا؟
أيُّ مشهدٍ لن تمحوه الأيام مهما مرّت؟

إنهم أولئك الذين تقدّموا الصفوف حين تراجع الجميع:
رجال الدفاع المدني، فرق الإطفاء، المتطوعون، العاملون في المنظمات، مسؤولو الطوارئ، وكلّ من وضع حياته على كفّ الخطر لينقذ حياة إنسان.

هؤلاء، كما في كل مرة، تصدّروا المشهد بوجوههم المنهكة وقلوبهم العامرة بالنخوة، بشجاعتهم، بتضحياتهم، وبمواقفهم النبيلة التي تتجاوز حدود الواجب إلى معنى أعمق: المسؤولية الإنسانية.

لم يكن ما فعلوه استعراضًا، ولا سعيًا إلى الشكر أو التكريم؛ بل اندفاعًا فطريًا، نابعًا من ضميرٍ حيّ لا يعرف إلا أن يكون حاضرًا حيث يتطلّب الوجود. هؤلاء هم أصحاب الرسالة الأصدق.

نحن فخورون بكم، أيها الخوذ البيضاء، يا رجال الدفاع المدني السوري.. لا لأنكم فقط تصدّيتم للخطر، بل لأنكم تجسّدون وجهًا مضيئًا لما أنجبته هذه الثورة العظيمة: الشهامة، النخوة، التضامن، والضمير الحيّ الذي لا يُباع ولا يُشترى.

كل كلمات الشكر تضيق بكم، لكننا نقولها من القلب:
في كل مرة نشاهدكم ونرى خوذكم البيضاء، نفتخر بأن ثورتنا أنجبت أسمى رموز الإيثار:
الشجاعة الصامتة، القلب الذي لا يعرف خيار الرحيل، والضمير الذي يقول: "لن نستسلم."

فخرُنا بكم لا يُقاس بالهتاف، بل بالدمع.. ذلك الدمع الجامع بين العين والعقل حين نشهد تضحيتكم ونقف عاجزين إلا عن قول: شكرًا، ورفع أكفّنا بالدعاء لكم في كل صلاة.