الطائفية الناعمة.. كيف تسللت إلى تفاصيل الحياة السورية؟

الصورة مصممة عبر الذكاء الصناعي
أعتمد اليوم في تدوينتي مصطلحاً جديداً خطر في بالي فجأة..
الطائفية الناعمة.. تلك التي تنخر في المجتمع دون ضجيج.
الطائفية ليست دائماً قنابل تنفجر أو شعارات تنطلق من أفواه غاضبة على شاشات الفضائيات. أحياناً تأتي الطائفية خافتة، لابسة ثوب اللياقة، متخفّية خلف كلمات مهذبة وابتسامات باهتة، لتغرس جذورها في العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تبدو ظاهرياً سليمة، لكنها سرعان ما تنهار تحت أول اختلاف في الرأي أو أول لحظة صدق.
وفي تخصيص الحديث عن سوريا التي تتنوع فيها الطوائف وتتداخل المصالح والولاءات، لم تكن الطائفية دائماً مواجهة مباشرة. بل كثيراً ما كانت كائناً زاحفاً، يتسلل إلى المدارس، والجامعات، وأماكن العمل، بل وحتى إلى "الصداقات" التي يُفترض أنها قائمة على الاحترام والمشترك الإنساني.
كيف انتشرت هذه الطائفية الناعمة في سوريا؟
الجواب معقّد، لكنه يبدأ برأيي من:
1. تسييس الهوية الدينية والطائفية:
تحوّل الانتماء الديني من علاقة روحية أو مجتمعية إلى موقف سياسي.
2. الاعتماد على الميليشيات الطائفية:
لا يمكن إغفال دور الجهات الإقليمية في تغذية هذا الانقسام، من خلال دعم أطراف طائفية بالسلاح والمال والدعاية.
3. التعليم والإعلام والتنشئة:
نظام التعليم والخطاب الإعلامي رسّخ صورة نمطية عن "الآخر" الطائفي، على أنه إما تابع أو خائن، لا مواطناً متساوياً في الحقوق.
ما العمل؟
الطائفية الناعمة هي الأخطر، لأنها لا تثير ضجيجاً، لكنها تنخر في أساسات المجتمع. وإذا أردنا إنقاذ النسيج السوري من هذا الانهيار البطيء، فلا بد من:
-
إعادة الاعتبار للفرد كمواطن، لا كـ"عضو في طائفة".
-
بناء خطاب نقدي يجرؤ على مساءلة الجميع، مهما كان انتماؤهم.
-
تشجيع الفن والإعلام المستقل القائم على قيم الحرية والعدالة، لا على الولاء الأعمى.
-
التربية على الاختلاف، وتعليم الأجيال أن النقد ليس خيانة، بل دليل على النضج والانتماء الحقيقي.
ختاماً
في سوريا، لم تكن المشكلة يوماً في التعدّد الطائفي، بل في استغلاله السياسي وتحويله إلى أداة سيطرة. وما لم نعِ هذا الخطر، ونواجهه ليس فقط حين يكون صاخباً، بل أيضاً حين يتسلل بهدوء وينخر في أساسات المجتمع دون ضجيج، سنظل ندفع ثمناً باهظاً من أوهام الوحدة، وخرائب الثقة، وذاكرة بلدٍ تشظّى بين الطوائف.