"فكرته سجن".. عن المدينة الجامعية في دمشق
نشر الإعلامي السوري فيصل القاسم، اليوم الجمعة 17 يناير/ كانون الثاني 2025، عبر منصة إنستغرام صورة له أمام الغرفة التي سكنها في المدينة الجامعية بدمشق أثناء دراسته. تأملت الصورة كثيراً، وتخيلت معاناته ومعاناة آلاف الطلاب الذين اضطروا للسكن في هذه المدينة الجامعية القاسية. وتذكرت حينما هجرنا نظام الأسد من منزلنا عام 2013، واضطررنا للسكن المشترك مع أقاربنا في منزل يتكون من غرفة واحدة. فكرت حينها بالانتقال للسكن في المدينة الجامعية لإتمام دراستي.
ذهبت في يوم شتوي مشمس لألقي نظرة على المدينة الجامعية التي سمعت عنها الكثير، لكن صُدمت بالواقع الذي كان أسوأ بكثير. كانت أشبه بالسجن أو المعتقل، وهذا ما ورد في التعليقات الكثيرة على صورة الإعلامي فيصل القاسم.
أذكر جيداً كيف رأيت الممر المتسخ، والغرف التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة الكريمة، ومعاناة الطلاب في نقل الأسرّة الحديدية إلى الغرف، والعدد الكبير من الطلاب ضمن الغرفة الواحدة، وروائح الطبخ المختلفة المنبعثة من الغرف والتي تختلط ببعضها بشكل لا يمكن تحمله، ودورات المياه القذرة المنعدمة من أبسط متطلبات النظافة.
أمضيت ما يقارب 45 دقيقة، التقيت فيها ببعض الفتيات وشاهدت المعاناة في عيونهن رغم وجوههن المبتسمة والضاحكة. قالت لي إحداهن أثناء حديثنا: "الحمام مأساة حرفياً.. بتحسيه عقوبة"، وتابعت صديقتها: "أغلب الأوقات ما بتلاقي مي سخنة.. وفوق هاد مافي تدفئة كمان". وأضافت أخرى بطريقة ساخرة: "وكرمال تحصلي على هالخدمات الرائعة بتدفعي هديك الحسبة".
45 دقيقة وفي رأسي تدور تساؤلات عدة: كيف تستطيع الطالبات تحمل كل هذا العناء؟ كيف يستطعن الحفاظ على النظافة الشخصية في مكان يفتقر لكل مقومات النظافة؟ وفكرت ملياً: هل يمكنني التحمل أنا أيضاً؟
كنت أستمع لمعاناتهن والصدمة واضحة على وجهي. لم أتحدث كثيراً، والأصح أنني لم أستطع التحدث من هول الصدمة. خرجت من البناء ووقفت لألتقط نفساً عميقاً هرباً من الروائح الكريهة التي استقرت في ذهني، ومشيت ببطء إلى خارج المدينة الجامعية. ألقيت نظرة أخيرة لعنت فيها نظام الأسد وكل المسؤولين عن هذه المدينة الجامعية التي باتت أشبه بسجن كبير لطلاب العلم، ومضيت في طريقي بعيداً دون عودة.