ما بين الحنين والتعب.. تأملات في الهموم والنعم المخفية

نشر صانع المحتوى السوري أحمد الصابوني عبر خاصية الستوري على إنستغرام يوم أمس بتاريخ 25 نيسان\أبريل 2025 سؤالاً يقول فيه: "ما هَمُّك..؟"
مجرد سؤال..
كان كفيلاً بأن يزلزل هدوئي الظاهري ويفتح الأبواب الثقيلة التي أغلقْتُها داخلي منذ زمن. وخلال لحظات، تجمعت كل الهموم التي حاولت تجاهلَها طيلة السنوات الماضية.. هرعت إلى رأسي دفعة واحدة.
لم أحتج أكثر من ثوانٍ قليلة حتى شعرتُ بتزاحم غير معقول للأفكار والمشاعر:
همومي كانت كثيرة، كأنها كانت تنتظر هذه اللحظة لتتدفق دفعة واحدة.
ماذا أكتب؟ عن أيّ همّ أبدأ؟
كان أول ما خطر في بالي شوقي لعائلتي، تلك المسافة القاسية بيني وبينهم التي لا يقصرُها اتصال ولا يعوضُها حديث مصور. لتلك اللمسات الخفيفة التي كانت تطمئنني بأن العالم ليس بهذا السوء. إلى حضن أمي الذي يغلق على حزني ويذوبُه كما يذوب الثلج في حضن الشمس. لِدفء صوتها الحنون في المنزل. حنيني لأن أكون صغيرة مجدداً، لأتوارى خلف عباءتها من كل هذا العالمِ الكبير المربك.
ثم جاءني إحساس ثقيل آخر، أكثر نضجاً وأشدُّ وطأة.. الإرهاق من حمل المسؤولياتِ طوال السنين الماضية. تلك المسؤوليات الكبيرة التي حملتُها عن طيب خاطر مرة، وعن مضض مرات، حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ مني. التعب الذي لا تراه العيون ولا يدركه أحد سوى قلبي، كيف تآكلتْ قطعة بعد قطعة وأنا أمضي لأنني "يجب" أن أمضي.
وفي الزاوية الأخرى من القلبِ، رغبة خفية همست بأمنية خجولة.. الحاجة إلى السند، والرغبة بالاتكاء على كتف رجل يعرف كيف يكون سنداً لا عبئاً.. يحتويني دون أن ينتقصني، يربت على روحي حين تثقلني الأيام، ويقول لها: "لستِ وحدكِ في هذا الطريق."
كانت كلُّ هذه المشاعر تتراكض في رأسي، تتشابك، تتنافر، ثم تتآلف، حتى شعرتُ وكأنني عاجزة عن صياغتها أو كتابتها.
كيف يمكن للكلماتِ أن تحتوي كلَّ هذا الثقل؟
كيف يمكن لجملة واحدة أن تصف حنيناً ووجعاً وأملاً ورغبةً دفينةً معاً؟
وقفتُ صامتة أمام السؤال. لم أكتب شيئاً.
اكتفيتُ بالصمت، ذلك الصمت الثقيل الذي يعرفه كلُّ من يحمل قلباً مثقلاً ولا يملك الكلماتِ.. ومررتُ بالسؤال كما يمر المسافرُ بالعاصفة.. لا يجادلُها، ولا يقف أمامها.
لكن، وبينما كنتُ أغرق في أفكاري، أخذتُ نفساً عميقاً، وتذكرتُ فجأةً شيئاً بسيطاً لكنه عظيم..
تذكرتُ كلَّ النِعَم التي أعيش بها دون أن أشعر، مثل:
صحتي التي تحميني وأنا أتنقل بين تحدياتِ الحياةِ، وقلبي الذي رغم تعبه لا يزال قادراً على الحبّ والحنين، والفرص التي أحاطتني رغم كلّ العراقيل، والقدرةِ على الحلم رغم الخيبات.
تجاوزتُ السؤال بهدوء. ولم أعد أفكر بما ينقصني، بل بكلّ ما وهبني الله إياه دون أن أطلب. ابتسمتُ في سري، وشكرتُ الله على أن الهموم التي أرهقتني لم تسرق مني القدرة على الامتنان. وسرتُ بعدها بخفةٍ لا تشبه سوى خفة قلبٍ تذكر أن: "ما لديك أكثر بكثيرٍ مما ينقصك" في محاولةٍ مني للنظر بإيجابيةٍ إلى كلِّ ما يحيط بي.